هل سمكة الجامبوزيا هي فعلا الحل الأفضل لمكافحة البعوض ؟
سعد فراح
صورة لسمكةTropidophoxinellus callensis التقطها كاتب المقال من واد بولاية قسنطينة
ناهيك عن لسعاته و الإزعاج الذي يتسبب به، فإن البعوض يشكل آفة و ذلك لما قد يحمله و ينقله من أمراض كما هو معلوم، و تتم محاربته و الحد من تكاثره بطرق مختلفة، منها المبيدات الكيميائية. أما أهل الماء فلهم دواء طبيعي متعارف عليه، ألا و هي سمكة الجامبوزيا (Gambusia). سمكة صغيرة لا يتعدى طولها بضعة سنتيمترات، تم نشرها عالميا و استزراعها في كل مكان من أجل هذا الهدف خصيصا، حتى أنها تسمى سمكة البعوض (Mosquito fish).
يوجد لهذه السمكة نوعان
متشابهان و قد لا يكون ممكنا بالعين التفريق بينهما : الجامبوزيا الغربية (Gambusia affinis)
و الجامبوزيا الشرقية (Gambusia
holbrooki)، و كلتاهما موطنهما الأصلي أمريكا. أما في الجزائر،
فذكرت بعض الأعمال الجامعية أن كلا النوعان موجودان عندنا، بينما آخرها (Ford. M. and al, Freshwater Fish of
the Maghreb, 2020) فلم يذكر سوى G. holbrooki.
لماذا انتشرت هذه السمكة
و امتلكت هذه الشعبية ؟ هي سريعة التكاثر و تمتلك قدرة كبيرة على التأقلم و العيش
في ظروف جد قاسية كنقص أكسجين أو تلوث، فهي إذن لا تحتاج رعاية أو تهيئة خاصة. أما
بخصوص قضائها على البعوض، فهي تملك فما متجها لأعلى و مصمم على التقاط الغذاء من
السطح (مثل قريبتها أسماك guppy
التي تربى في أحواض الزينة) حيث تعيش يرقات البعوض. و هي بالأخص... شرهة للغاية !
و هي لهذا لا يتم إطلاقها في أحواض الخواص فقط، بل كذلك في المسطحات المائية
الطبيعية.
لكن شراهة هذه السمكة لا
تقتصر على التهام يرقات البعوض، بل تتعداها إلى أكل بيوض و يرقات الأسماك الأخرى (أصلا
الجامبوزيا الأم تأكل صغارها إذا لم يسرعوا في الاختباء حين ولادتهم). و بسبب سرعة
تكاثرها و قوتها على تحمل الظروف و هذه الشهية الكبيرة، فإن الجامبوزيا قد تهدد
تواجد الأنواع الأخرى بسبب ما ذكر و بسبب منافستها على الغذاء المتوفر في الوسط
البيئي. كما سجل لها سلوكها العنيف تجاه الأنواع الخرى من قضم لزعانفها و ما يترتب
عنه. و في الجزائر يقع التهديد على عدة أنواع محلية (autochtone)، و في بعض
الحالات مستوطنة (endémique)،
أي لا تتواجد في أي مكان بالعالم إلا في بلادنا. منها أسماك صغيرة جميلة تسمى
علميا Aphanius.
و تتواجد في الجزائر، أو بالأحرى كانت تتواجد، ثلاثة أنواع : A. fasciatus و A. apodus و A. saourensis. النوع الأخير
(A. saourensis)،
الذي (كان) يتواجد بمنطقة الساورة في بشار، تم الإعلان عن احتمالية كبيرة أنه
انقرض، خلال بعثة علمية تابعة لمنظمة IUCN سنة 2014. و من أهم الأسباب التي أدت إلى هذا
الانقراض، تم ذكر الجامبوزيا !
مربي المائيات على
احتكاك مباشر بالبيئة، و مصطلح "التنمية المستدامة" ليس غريبا عليه. و
مشروع الاستزراع لابد أن يكون على انسجام مع الطبيعة و مكوناتها، فلا يؤدي إلى
اختلال توازن أو أي نوع من التأثير السلبي الذي قد يمس الأنواع المحلية، التي
تعتبر ثروة وجب الحفاظ عليها و حمايتها من أي تهديد. فإذا كان الاستزراع يمس
جداولا أو بركا أو مساحات مائية أخرى طبيعية، وجب الانتباه و دراسة الموضوع من هذه
الناحية.
الدراسات التي تظهر
سلبيات سمكة الجامبوزيا على البيئة المحلية للمناطق التي تم زرعها فيها كثيرة. و
هي مصنفة كسمكة "غازية" (invasive) مضرة. و هذه عموما حالة الكثير من الأنواع التي يتم
جلبها من مناطق أخرى و إطلاقها في بيئة جديدة من أجل هدف ما، فإذا بها تؤدي إلى
تبعات كارثية لم يحسب لها حساب. فتتكاثر بسرعة على حساب الأنواع المحلية بل و
تفترسها. و في الجزائر عدة أنواع من هذا القبيل، لم تتم دراسة أثرها على البيئة
الجزائرية بعد على حد علمنا، و لكن سلبيات استزراعها أكدت في مناطق أخرى.
لعل الطبيعة متوازنة كما
هي، و تدخل الإنسان لن يؤدي إلا إلى إخلال هذا التوازن. و من أنواع الأسماك
المحلية الجزائرية ما قد يكون مرشحا جيدا لشغل منصب محاربة البعوض دون اللجوء إلى
الجامبوزيا و المخاطرة بتهديد طبيعتنا. لذا ندعو الباحثين المختصين إلى الالتفات
إلى هذه الأنواع و الاهتمام بها. و هي أصلا غير معروفة جيدا و قد تختفي في صمت مع
الوقت...